الشيف الجزائري خنور الشيخ في حوار خاص لمجلة الاتحاد الدولي ماستر شيف العرب
عرف الإنسان فن الطبخ منذ غابر الأزمان ، إذ أن دوافع الإنسان للأكل باعتباره المصدر الأساسي للاستمرار في الوجود، دفعه للتفنن في الطبخ و تقديم أشهى و ألذ المأكولات ، و مع مرور الزمن تطور هذا الأمر، فبعد أن كان مجرد حاجة غريزية في الإنسان من أجل العيش أصبح علما قائما بذاته يدرس في جامعات و معاهد متخصصة في الطبخ و ينافس بقية العلوم الأخرى كالفلسفة ، الفيزياء ، الطب و غيرها ، و من هنا برزت أسماء لامعة في المجال أعطت الكثير لهذا المطبخ حتى وصل إلى ما هو عليه حاليا من أطباق راقية تقدم في كل المناسبات و أيضا في المطاعم و افخر الفنادق يشرف عليها أناس مختصين في هذا المجال و هو ما يطلق عليه لقب شيف ، و ظهرت نماذج كبيرة من الطهاة أثبتوا للعالم جدارتهم ، و من الأسماء اللامعة في مجال الطبخ الشيف "خنو الشيخ" ابن مدينة ورقلة بالجنوب الجزائري الذي كان لنا معه هذا الحوار الشيق ، أين تحدث فيه لمجلة " الاتحاد الدولي ماستر شيف العرب" عن حبه و شغفه بمجال الطبخ الذي أبدع فيه منذ صغره ، كما تطرق للعديد من المواضيع المتعلقة بالطبخ و كشف لنا أيضا أسرار أطباقه فضلا عن نجاحه في ابتكار أطباق تعج بنكهات تعكس البيئة المحلية التي أتى منها ، فهو إنسان طموح و متجدد الأفكار، يبحث في أطباقه دائما عن الجديد و يسعى باستمرار لتطوير مهارته طيلة مسيره المهنية التي تعود لأكثر من23 سنة .
من هو الشيف خنور الشيخ ، و كيف كانت بداياتك مع عالم الطبخ ؟
الشيف خنور الشيخ هو رئيس مطبخ شركة بيات كاترينغ لتسيير المطاعم و الفنادق و قواعد الحياة بحاسي مسعود بالجزائر، من الجنوب الجزائري ، إنسان متواضع جدا ، أب لأربعة أطفال ، كانت بداياتي مع الطبخ منذ سنة 2000 ، أحببت هذه المهنة و تدرجت فيها من مساعد طباخ إلى طباخ إلى رئيس قسم حتى وصلت إلى رتبة شيف .
هل دخولك عالم الطبخ كان كموهبة منذ الصغر ؟
دخولي لعالم الطبخ كان لموهبة رافقتني منذ نعومة أظافري ، و قبل ولوجي هذا العالم كنت كلما خرجت في رحلة مع الأصدقاء سواء إلى الغابة أو الصحراء و كنت أنا من يتولى مهمة تحضير الطعام، عشقت هذا المجال الواسع و تعمقت فيه بمطالعة كل ما يتعلق به من كتب مجلات و قواميس مختصة بالطبخ ، و أيضا مشاهدة كل البرامج الخاصة بالطبخ التي تبث على القنوات الأجنبية ، و حاولت جاهدا تنمية مهاراتي و معلوماتي في هذا المجال ، فدخولي لمجال الطبخ كان بسبب الموهبة و الخبرة التي اكتسبتها شخصيا ، و فيما بعد طورت نفسي بانضمامي لبعض الدورات حتى اكتسبت معلومات و مهارات لا يستهان بها إلى أن وصلت إلى ما أنا عليه اليوم ، أين أصبحت مدرب أقدم دورات تدريبية في مجال الطبخ .
هل درست مجال دراسي أخر قبل دخولك مجال الطبخ ؟
نعم، بعد المرحلة الثانوية انضممت إلى مركز تكوين مهني أين تحصلت على شهادة عون حجز معلوماتية ، و لم اشتغل بها و بعدها اشتغلت في الأعمال الحرة لفترة من الزمن .
بعد مشوارك الطويل في مجال الطبخ ، في رأيك ما هو المفتاح السري للنجاح ؟
المفتاح السري لأي نجاح في الحياة هو أن نحب ما نعمل ، فإذا لم نحب ما نعمل فإننا لن ننجح أبدا في ذلك ، و يمكن للشخص أن يتلقى ثغرات و يواجه صعوبات طيلة مشواره ، و لكن لابد من مواصلة التحدي ، كما يمكن له أن يتلقى انتقادات و يقابل أعداء النجاح و أناس سلبيين يحاولون بكل الطرق إحباط معنوياتنا ، قد تجد أناس تنتقدك لاختيارك هذا المجال دون غيره ، و لكن لابد من مواصلة التحدي حتى النهاية ، و لابد من البحث المستمر و التطوير في هذا المجال كالمطالعة في كل ما يتعلق بالمجال و معرفة كل المستجدات المتعلقة بهذه المهنة .
ما هو شعورك كونك شيف مشهور ، و ما هي أهم الصعاب التي يمكن أن يواجهها أي شيف في مشواره ؟
قبل كل شيء أنا لا أعتبر نفسي شيف مشهور ، بل أرى نفسي شيف متواضع لم أصل بعد إلى درجة مشهور ، أتمنى أن أصبح مشهور بالعمل و التواضع و ليس كما هو متداول حاليا عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، أين أصبح كل من هب و دب يمنح شهادات و ميداليات و ألقاب و يقدم دورات تدريبية عبر المواقع ، بل أتمنى أن أتطور بالجد و العمل الحقيقي و ليس بالأوهام ، وأهم الصعاب التي يمكن أن يواجهها أي شيف كما قلت سابقا هي أعداء النجاح الذين يحاولون بكل الوسائل إحباط عزيمة كل شخص يريد النجاح و الوصول لأهدافه ، فمهما عملت و مهما طبخت فهناك من ينتقدك ، فإرضاء الناس غاية لا تدرك، فمثلا يمكنك أن تجتهد في شيء و تقدم طعام في طاولة لمجموعة من الأشخاص فمنهم يعجبه أكلك و الباقي لا ، و أنا أعتبر هذا الأمر عادي جدا ، و لا ينقص من عزيمة الشيف بل بالعكس قد يكون دافعا قويا للعمل بجدية أكثر .
ما هي مميزات و خصائص أطباق الشيف خنور ؟
أنا كجزائري ، و كون المطبخ الجزائري غني جدا من حيث الأطباق ، و هو جزء لا يتجزأ من المطبخ العربي، أحب دائما استعمال مواد و مكونات طبيعية قدر المستطاع كوني متحصل على ديبلوم في الأطباق التقليدية و أميل دائما إلى كل ما هو تقليدي بصفة خاصة كالكسكسي ، الشخشوخة و الرشتة و غيرها من الأطباق الجزائرية المتنوعة مع إعطاءها طابع عصري دون المساس بروح الطبق و أصالته ، و ابتعد كثيرا عن استعمال الألوان ، فأطباقي دائما تكون بألوان ترابية كوني من الجنوب الجزائري .
هل يمكن أن تصنف أطباقك في بعض الكلمات ؟
أطباق تقليدية بحلة عصرية باللون الأبيض الأسود ، بمعنى أطباق تقليدية بلمسة عصرية بعيدا عن الألوان ، و أطباقي ليست راقية لأنني أرى نفسي مازلت في بداية الطريق و لا أقارن نفسي بكبار الطهاة و إنشاء الله سأصبح شيف كبير و أرتقي أكثر و أكثر .
هل يمكن للموهبة أن تحل محل الدراسة الأكاديمية في تدعيم مهارة الشيف ؟
لا يمكن للموهبة أن تحل محل الدراسة الأكاديمية ، و لكن بوجودهما معا يمكن أن نتحصل على شيف متعلم و موهوب في نفس الوقت، إضافة إلى عنصر أخر لا يقل أهميه و هو توفر الأخلاق،فإذا اجتمعت الموهبة و الدراسة و الأخلاق يمكننا صنع شيف محترف .
إلى جانب المطبخ الجزائري ما هو المطبخ الأقرب و المفضل لديك ؟
أقرب مطبخ لدي بعد المطبخ الجزائري هو المطبخ الفرنسي الكلاسيكي بطبيعة الحال كوني أعمل في شركة تقدم إلى جانب الأطباق الجزائرية أيضا الأطباق الفرنسية ، أو يمكن القول مطبخ البحر الأبيض المتوسط بصفة عامة، لأنه إن قلت المطبخ الفرنسي أو مطبخ البحر الأبيض المتوسط فهو نفس الشيء لأنه لديهما أطباق مشتركة و متشابهة كثيرا منها الاسبانية، الايطالية و اليونانية .
ما هي أهم العوامل التي تساعد الشيف لكي يبقى على قائمة أفضل الطهاة في العالم ؟
عليه بتنمية مواهبه بالمشاركة المستمرة في المهرجانات و المسابقات التي تنظم ، وعليه أيضا بتطوير مهاراته و البحث المستمر في كل ما هو جديد ، هذه الأشياء تجعل منه يتطور بسرعة و يكون على علم و دراية بكل ما هو جديد في مجال الطبخ ، مما يساعده في الإبداع و الابتكار .
حدثنا عن بطولة العالم للمشاوي الصحراوية و السياحية التي أقيمت بالجزائر ؟
أقيمت مؤخرا البطولة العالمية للمشاوي الصحراوية و السياحية، وذلك يومي 7و8 من شهر يناير 2023 في مدينة الألف قبة و قبة بواد سوف بالجزائ ، بمشاركة مجموعة من الطباخين المعروفين على الصعيد العالمي بلغ عددهم 65 مشارك من تونس ، ليبيا و مصر و أيضا بحضور عدد من الحكام الدوليين في فن الطبخ من الوطن العربي من سوريا ، فلسطين تونس و من فرنسا، و كانت هذه البطولة التي نظمتها الجمعية الجزائرية لفنون الطبخ و التنشيط السياحي خاصة بالمشاوي و أيضا "خبز الملة"الصحراوية المعروف ب "خبز الصحراء" و هي من أشهر عادات الطبخ التي مازالت راسخة في الحياة اليومية للبدو و الرحل ببعض المناطق الصحراوية ، و هو نوع مميز من الخبز التقليدي يشبه إلى حد كبير البيتزا و يطهى داخل الرمل الصحراوي بواسطة الجمر .
نظرا لكثرة عدد المشاركين تم تقسيمهم إلى مجموعتين ، مجموعة صباحية و أخرى مسائية و استعملت فيها كل أنواع اللحوم و كل أنواع طرق الطهي ، تحت الرمل ، فوق المشواة أو المنقل ، و أيضا في الفرن، ولا ننسى أيضا الحلويات التقليدية التي كانت هي الأخرى حاضرة في هذه البطولة، و تأتي هذه المبادرة في إطار التعريف بالموروث التراثي و الغذائي الصحراوي والترويج للسياحة الصحراوية ، و بعد انتهاء البطولة أقيمت رحلة سفاري في الصحراء الجزائرية لفائدة الضيوف الوافدين إلى المنطقة ، و بعد انتهاء البطولة توجه المشاركون إلى نزل الغزالة الذهبية المعروف بواد سوف من أجل اكتشاف تاريخ و عراقة هذه المنطقة الجميلة وكل ذلك يأتي في إطار الترويج للسياحة في الجزائر خاصة و نحن مع بداية موسم السياحة الصحراوية ، فالسياحة تعني الترويج للموروث المادي و اللامادي الذي تزخر به الجزائر.
للإشارة فقط ، كانت الجائزة الأولى و كأس البطولة من نصيب " لطفي طاشي" ابن مدينة سكيكدة بالشرق الجزائري .
هل يمكن للطبخ أن يساهم في الترويج للسياحة ؟ و هل يمكن القول أن هناك ارتباط بين الطبخ و التقاليد ؟
بطبيعة الحال يمكن للطبخ أن يساهم بشكل كبير في الترويج للسياحة و خير مثال على ذلك البطولة العالمية للمشاوي التي أقيمت مؤخرا بواد سوف ، فعندما يحضر مشاركون أو حكام عالميين للجزائر ، فهذا في حد ذاته ترويج للسياحة ، فالمشارك إلى جانب مشاركته في المسابقة يحاول التعرف و اكتشاف عادات و تقاليد هذا المجتمع .
فعلا هناك ارتباط وثيق بين الطبخ و التقاليد ، لان الطبخ هو الذي يبرز تقاليد كل منطقة من مناطق الوطن ، فالجزائر عبارة عن قارة و كل منطقة لها طريقة طبخها و تقليد خاص بها تختلف عن باقي المناطق الأخرى ، و هذا هو سرا لارتباط بين المطبخ و التقاليد ، من خلال إبراز الموروث الثقافي للجزائر.
باعتبارك شيف تنفيذي في الاتحاد الدولي مستر شيف العرب ، حدثنا عن هذه التجربة و كيف استطاع هذا الأخير ضم عدد كبير من أفضل الطباخين في العالم ؟
نعم أهم شيء هو انضمامي إلى الاتحاد الدولي ماستر شيف العرب تحت إشراف الشيف العالمي " أحمد المعدراني" ، و كان ذلك منذ بداية عام 2019 ، و الانضمام إلى الاتحاد أضاف لدي أشياء كثيرة ، استفدت منها في تنمية موهبتي كمشاركتي في العديد من الدورات التدريبية كالاستدامة ، السلامة المهنية ، التحكيم ، و كان الشيف "أحمد المعدراني" يشترط علينا تقديم محاضرات يومية أو مسابقات في المجموعة في أي تخصص يتعلق بمجال الطبخ ، مثال على ذلك السلامة المهنية، مخاطر الملح، مخاطر السكر أو التعريف بأطباق معينة ، و يمتاز الاتحاد عن باقي الاتحادات آو الجمعيات الأخرى بالمصداقية كما أن الشهادات المقدمة من طرفه معترف بها دوليا و مصادق عليه من طرف الوزارات الخارجية، وهذا ما يزيدني فخرا واعتزازا بوجودي ضمن أعضاء الاتحاد ، كما أن رئيس الإتحاد حريص جدا في اختيار أفضل الأعضاء .
هل يمكن لوسائل التواصل أن تساهم في شهرة أي طباخ ؟
نعم يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تساهم في إبراز أو شهرة أي طباخ بإظهار موهبته للعلن ، مما يسمح له بمشاركة أطباقه و ابتكاراته في مجال الطبخ مع الأصدقاء و أيضا شهاداته معهم و كذلك المهرجانات و المسابقات التي يشارك فيها ، هذا يزيد من شهرته ، فكل طباخ له لمسته الخاصة في الطبق الذي يقوم بتحضيره مما يميزه عن غيره .
ما هي أفضل نصيحة يمكن أن يقدمها الشيف خنور لأي شاب في بداية حياته و يحلم أن يحقق نجاح و شهرة في مجال الطبخ ؟
أنصح أي شيف يريد دخول مجال الطبخ أن يلتزم بالتواضع و أن ينمي قدراته أكاديميا مع الموهبة بطبيعة الحال، فهذان العنصران هما اللذان يقودونه إلى الشهرة و النجاح في مشواره ، و لا يتواني في البحث المستمر و المشاركة في المسابقات و المهرجانات ، فهذه المشاركة في حد ذاتها تعتبر دراسة أكاديمية ، مما يسمح له بالتعرف عن أناس جدد من ذوي الاختصاص و اكتشاف طرق ووسائل جديدة تزيد من خبرته ، و أهم عنصر في النجاح هو الأخلاق فالشيف لابد أن يكون خلوقا بالدرجة الأولى ، فالتواضع و الدراسة الأكاديمية و الأخلاق تصنع شيف محترف ، و عليه أيضا بتقبل النقد مهما كان .
كلمة أخيرة، لمجلة الاتحاد الدولي ماستر شيف العرب :
اشكر مجلة الاتحاد الدولي ماستر شيف العرب على هذه الالتفاتة الطيبة التي أعطتني الفرصة للتعريف بنفسي و التعبير عن أرائي و عن طموحاتي ، و أشكر الشيف أحمد المعدراني رئيس الاتحاد الدولي ماستر شيف العرب ، كما أقدم شكري الخاص و الخالص للشيف خليفة مسوس رئيس مكتب الجزائر الذي ساعدني كثيرا في مشواري .
أتمنى لمجلة الاتحاد النمو و المواصلة و لم لا لتصبح قناة تليفزيونية ، تقدم أطباق متنوعة من المطبخ العربي الأصيل و من المطبخ العالمي كباقي قنوات الطبخ العالمية الموجودة حاليا و الشكر موصول للجميع .
جميلة خياري