عماد فارس النداف محاضرة قدمت عبر المسنجر لمجموعة ماستر شيف العرب


               عماد فارس النداف                        

 

 

 محاضرة قدمت عبر المسنجر لمجموعة ماستر شيف العرب

vendredi 11 septembre 2020

مرحبا بكم جميعا كل الشكر للاتحاد الدولي "ماستر شيف العرب" ممثلا برئيسه الماستر شيف أحمد المعدراني من لبنان الشقيق .... والشكر الجزيل للشيف أنس نصر على دعوتي واتاحة الفرصة لي للمشاركة معكم في هذه المحاضرة... وهي بعنوان:

سجلات الطعام والمائدة عند شعوب وممالك الشرق الأدنى القديم بداية، ومن خلال العنوان، إنه موضوع شيق و هام وصعب التحديد. ولكنه يشكل ركنا أساسيا في ثقافة الحياة اليومية لكافة الأمم والشعوب على مر الزمن . ومما يزيد من أهميته، كونه يسلط الضوء على مرحلة تاريخية غابرة تعود بنا إلى بدايات الكتابة و التدوين. وبدايات تسجيل الإنسان لنشاطاته وأعماله وعلاقاته وكيفية اعتماده على هذه السجلات لاحق ليستقرأ قادم الأيام ويقارن بين المعطيات الزمنية والبيانات المدونة ليكتشف الحقائق ويستخلص القوانين والأنظمة الحياتية لا شك أنكم، وعندما تسمعون بكلمة سجلات ... سيتبادر إلى أذهانكم أشكال عديدة من الوثائق و الدفاتر و الكتب .... أو حتى الملفات و التطبيقات والی ما هنالك من أشكال مادية للسجلات في هذه الأيام. لو نعود بالزمن إلى الوراء ستة ألاف عام أو خمسة ألاف عام ، سيكون من نافلة القول ومن العبث والمستغرب التلفظ بهذه المصطلحات بالرغم من بساطتها ؟!؟!

فالأحري بنا أن نطلق أسماء ومصطلحات مثل : الرقم والرقيمات والمخطوطات....

فاذا كلمة سجلات في عنوان محاضرتنا سنستبدلها ب رقم ورقيمات وهي الوثيقة المادية أو الكتاب. وتدوينها أو طريقة كتابتها هو المخطوط . إن عنوان محاضرتنا يفرض علي أن أتحدث في ثلاثة محاور لازمة وهي : ١- المحور الأول : وهنا أعطيه الأولوية بما أننا مع مجموعة

الماستر شيف سأتحدث عن الطعام والمائدة والعادات الغذائية وأنواع الغذاء لدى المجتمعات السومرية والبابلية والسورية القديمة. ٢- المحور الثاني : وهو الرقم الطينية والمخطوطات وآلية التدوين وتاريخ اكتشافها . ٣- المحور الثالث : و فيه لا بد من تسليط الضوء على الشعوب والأمم والممالك التي كانت سائدة في تلك الحقبة التاريخية و أماكن تجمعاتها... وسيكون متداخلا مع المحور

الثاني. أبدأ الحديث عن المائدة والطعام لدى الشعوب السومرية والبابلية. لقد كانت المائدة تشغل مكانة هامة في الحياة اليومية للمجتمعات السومرية والسورية القديمة ومن خلال المخطوطات المكتشفة وفك رموزها ، استطاع العلماء معرفة الكثير الكثير عن هذا الموضوع. فقد تبين وجود طبقتين اجتماعيتين من حيث اليسر والعسر بالمعيشة والعمل وأسلوب الحياة.... فكانت الطبقة المترفة والتي تشكل فئة قليلة، تعتمد إلى حد كبير في طعامها على السمك والحيوانات المد لجنة من أبقار وابل وماعز وخراف وطيور.... أما الجانب الأكبر من سواد المجتمع فكان طعامهم يتكون من المنتجات النباتية والبقول والمنتجات الحيوانية من الحليب ومشتقاته..... ولعل المادة الغذائية الأساسية والمشتركة بين الطبقتين هي الخبز وكان يصنع من دقيق الشعير لفترة طويلة الى حين تدجين الحنطة في مملكة ماري في الفرات الأوسط ( في البادية السورية الحالية) وبداية تصنيع خبز الحنطة

كان خبز الشعير يصنع في البيوت من قبل العائلات حيث كانت لصق قطع العجين غير المخمر داخل إناء كبير توقد فيه النار ليكون فرنأ بدائية. وهو " التنور". بهذه الطريقة كانت تنتج الأقراص الشهية في البادية الشامية والعراق. وكان يستخدم أنواعة كثيرة من الزيوت كا: زيت الزيتون وزيت السمسم وكان اسمه " السيرج " وكان للتمر حصة كبيرة من قائمة الغذاء والذي كان ولا يزال يصنع منه الدبس والشحم . كذلك تم إدخال عسل النحل إلى بلاد الرافدين قبل عدة قرون من عهد نبوخذ نصر 605 الى 562 قبل الميلاد القرن السادس قبل الميلاد

كما أن هذه المجتمعات كانت تستهلك الفواكه كالرمان والتين والعنب والمشمش ومن الخضار التي عرفنا منها البصل والثوم والخيار و الخس والفجل والحمص. وكذلك تذكر النصوص والمخطوطات الاعتماد الكبير على منقوع الشعير كمشروب رئيسي لدرجة أنه كان يصنع منه تسعة أنواع بالإضافة إلى الخمور التي كانت تصنع من العنب المخمر والتمر. إذا وكما ذكر آنفا بأن المطبخ السومري أو البابلي أو الآشوري وكذلك في ماري وايبلا و أوغاريت كان يعتمد على الخبز كما هو الحال عليه الآن لدى معظم شعوب العالم ومنطقتنا ! الرمز المسماري للأكل هو علامة الفم + علامة الخبز في داخله وكلمة " أكلو" تعني "خبز" وتفيد النصوص والرقم الرافدية بأن سكان بلاد الرافدين كانوا يصنعون أكثر من ثلاثمائة نوع من الخبز : الفطير وغير الفطير فمثلا في ملحمة "غلغامش" يتعلم انكيدو هذا المخلوق الذي عاش في الغابة كيف يأكل مثل سائر بني البشر بدلا من ارتضاع الحليب من حيوانات البر والتي كان قسمة كبيرة منها غير مدتین بعد وأول شيء تعلمه هو أكل الخبز.!! أقتبس لكم هنا من الملحمة : " كل الخبز یا انكيدو، إنه بهجة الحياة " وتورد مخطوطات أخرى حول مأدبة ووليمة أقامها الملك آشورنصربال الباذخة جدأ جدأ والتي لم تكد تستثني صنفأ ولا لونا من ألوان الطعام. فجميع أنواع اللحوم من طيور وأسماك وخراف وكثير من الخضار والفاكهة وما لذ وطاب من طعام احتوته وليمة الملك.

وفي عهد نبوخذ نصر و بختنصر الذي دام حكمه حوالي 60 عام كان مطبخه في غاية الترف والبذخ وشديد التنوع وتذكر هذه النصوص أن الاخمينيين الفرس استعاروا وقلدوا كثيرا المطبخ البابلي بعد احتلالهم للمنطقة ثم انتقل بعدهم الى الأسرة الساسانية . لا بد أن أذكر أسماء بعض الوجبات والأطعمة التي كانت تعد في "التنور" وجبة "آكالو" تعني رغيف الخبز وهو خبز باللحم والبصل والتوابل وأصل هذه الكلمة هو بابلي وجبة "التشريب" يقطع رغيف الخبزو يثرد في صحن ليتشرب بمرق اللحم والبصل والحمص المسلوق. أصلها سومري هناك أيضا وجبة " المريس " وهي كلمة أكادية تقال لنوع من أنواع الكعك ومنها اشتقت كلمة كيك وكان يصنع من العصائر أو الأشربة مع الطحين ويقال لها بالأكادية " كعاتو ". وقد تم أيضأ تصنيع القوالب الفخارية الخاصة بأنواع الخبز... موجود منها في متاحف دمشق وحلب واللوفر... وهناك اكتشاف ل ثلاثة ألواح مسمارية موجودة حاليا في ارشيف جامعة YALE المسمارية وتتضمن هذه المؤلفات 35 وصفة لأنواع المرق وهي أصناف متعددة من اللحم المطبوخ بالزيت أو سائل دهني مع نكهات طازجة تضاف في النهاية مثل الكراث المهروس والثوم والنعناع ... من المؤسف أن هذه الوجبات قد كرت بإيجاز وأن فك رموزها كان مختصرا .

ومن اللافت للانتباه أيضا أن نجد وصفة ومقادير وجبة " مرق الغزال" حيث تقول الرموز المسمارية :

-حضر مقدارا من الماء

- أضف زيتا

- أضف بصلا

- أضف كراث وثوم..... في لوح مسماري آخر وهو الأكثر غموضا ويحتوي على ثلاث وصفات ؛ اثنتين لطهي الطيور مع استعمال الخل وشراب الشعير "البيرة" للنكهة . أما اللوح المسماري الثالث يتكون من 7 وصفات وهذا ما أثار فضول العالم الأثري الفرنسي جان بوتیرو ، نذكر من هذه الوصفات مثلا : فطيرة ثعد من الطيور الصغيرة مع القوانص (Gésier) والأحشاء (intestins )0و ثطهى بالبصل والثوم والكراث (poireau ) وتقدم على رغيف الخبز..... هذه القائمة من الأطعمة والغذاء كانت رمز ورسم على ألواح طينية أو حجرية أو معدنية وحتى من الشمع

- وهنا أدخل في حديثي الى المحور الثاني والثالث وهما مترابطين - : وهو الرقم الطينية والمخطوطات وآلية تدوينها وتاريخ اكتشافها : كان يتم تصنيع قوالب من الخشب بحواف صغيرة أو من أغصان الأشجار وسعف النخيل بأحجام مختلفة وكان يوضع فيها الغضار والطين المجبولين بالماء ويتم النقش عليها وهي طرية ب أعواد مضلعة يتم تشذيبها من نبات القصب الموجود بكثرة في أهوار العراق وعلى ضفاف الرافدين دجلة والفرات، التشذيب يأخذ أشكالا متعددة ولكن الذي تم الإجماع عليه وبكثرة هو الشكل المسماري؛ أي نحت رأس القصبة أو ريشة القصب بشكل المسمار أو الأوتاد الصغيرة وتطبع على الطين الطري ، ثم تجفف تحت أشعة الشمس قرابة العشرة أيام وبعدها تشوى في مواقد النار فتتصلب كثيرا وبعد ذلك يتم حفظها في الأرشيف الخاص بالمعابد الدينية أو القصور الملكية والمباني الإدارية لقد اهتم الكثير من علماء الغرب بهذه الرقم وانكبوا على البحث عنها والتنقيب في مختلف بقاع وجغرافية بلاد الرافدين ومصر وذلك منذ بداية انحطاط الدولة العربية وزاد مع سيطرة العثمانيين بشكل خاص على بلاد الرافدين والتي تعني بلاد الشام والعراق حاليا .

وهنا في هذه الفترة من أواخر القرن الرابع عشر مع اكتشاف العالم الجديد والقرن الخامس عشر، بدأت الثورات الصناعية الأوربية وبدأ العلم والوعي يسود في أوربا ويرفض الأفكار الجامدة وايديولوجيات رجال الدين والكنيسة ، فكان لابد من البحث عن مصادر الإشعاع والعلم وكان آنذاك موجود في الشرق الأدنى ومصر واستشهد هنا ب قول ل أمين معلوف في كتابه " الحروب الصليبية كما رآها العرب" وأقتبس : ".... الشرق، كان هو الأرض الموعودة، أي أرض التوابل، والذهب، والحرير. الشرق هو الأرض التي يمكن نهبها وحرقها واغتصابها....." المهم بدأت الرحلات الاستكشافية والتنقيبية عن الآثار تأتي إلى المنطقة منذ القرن السابع عشر والثامن عشر وما زالت الى يومنا هذا. وأذكر منها على سبيل المثال وليس للحصر بعثة جان بولتيرو القنصل الفرنسي في العراق في القرن السابع عشرو بعثة اندريه باروو أيضا الفرنسية ابان الاحتلال الفرنسي لسورية في عام 1933 والتي استمرت قرابة الأربعين عام ثم استبدل رئيسها ب جان کلود مارکورون وبقيت تعمل حتى أيامنا في موقع تل الحريري " مدينة ماري" قرب الحدود السورية العراقية. لقد تم اكتشاف ماري عن طريق المصادفة؛ حيث توفي أحد وجهاء القبائل التي كانت تستوطن المكان وأراد أفراد عشيرته دفنه في تلة اصطناعية فوجدوا حجرا منحوتا أرادوه شاهدة القبر. تم اخبار السلطات الفرنسية الموجودة آنذاك بهذا التمثال وهذا كان جزءا من مبتغاها فتكونت بعثة التنقيب برئاسة مدير متحف اللوفر العالم أندريه باروو وبوشر بالعمل وبدأت الاكتشافات تتوالى والكنوز الثمينة المتعددة من مجوهرات وحلي وأحجار ثمينة وخاصة اللازورد... ولعل أثمن و أنفس الكنوز كانت الرقم والمخطوطات المسمارية والتي بلغ عددها 25 ألف رقیم موجود منها حاليا في متاحف المحافظات السورية والقسم الأكبر معروض في متحف اللوفر بباريس. محتوى هذه النصوص يشرح كافة نواحي الحياة اليومية والسياسية والاقتصادية والدينية والاجتماعية وكذلك علاقات المدن الدول التي كانت سائدة في تلك الآونة. لقد تم قراءة العديد من هذه النصوص من قبل المكتشفين فمثلا العالم الأثري الفرنسي شارل فيرلو الذي قرأ نصوص ماري قال عبارته الشهيرة : " لكل انسان في العالم وطنان، وطنه الذي هو فيه وسورية. فهي مهد الحضارات." مدينة بابل التي تقع إلى الجنوب من بغداد بحوالي 70كم وتعني بوابة الآله وقد عرفنا الكثير الكثير عنها وعن ملكها الشهير حمورابي وتشريعاته الهامة جدا والتي تعد أقدم التشريعات في العالم وتهدف إلى تنظيم العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وتعرف بالمواطنة وحقوقها وواجباتها.... وبلغ عدد هذه القوانين 282 مادة قانونية مقسمة على اثنا عشر جزء منقوشة على حجر كبير أسود اللون من الديوريت يبلغ ارتفاعه قرابة المترين . في قسم العلوي نحت يمثل الملك حمورابي وهم يقدم تشريعه للإله مردوخ ليصادق عليه... وفي وسط الحجر وأسفله ثقشت مواد النص القانوني. هذا الحجر والمنقوش موجود حاليا في متحف اللوفر بباريس. كانت بابل أحد أهم المدن العظمى في تلك الفترة وشكلت هدفا و مقصدا لاسكندر المقدوني ووالده فيليب... إن الحديث يطول كثيرا عن هذه المدن والرقم والبعثات التي اكتشفتها من المدن الدول الهامة نینوی وآنشور ولكش وأور ويمحاض وقطنة وليمار وايبلا واوغاريت و.. و... العديد العديد بعثة انطوان ديكيت الألمانية وبعثة باولو ماتييه الايطالية التي نقبت في موقع ايبلا جنوب حلب السورية ب 70 كم وبعثة كلود شیفر التي نقبت في موقع أوغاريت شمال مدينة اللاذقية على الساحل السوري......... إن شعوب هذه المدن كانوا من العموريون وهم السكان المحليين للمنطقة وكلما سرنا من بقعة جغرافية إلى أخرى نسمع بالتسميات المختلفة لهم کا الفينيقيين في الساحل السوري الأوسط والشمالي والكنعانيين في الساحل الجنوبي والعموريون في وسط بلاد الشام والسومريون في جنوب العراق... وإذا فتشنا وبحثنا عن هذه التسميات و أصولها نجد قسما كبيرا من هذه الأصول من السومرية والفينيقية والكنعانية ... في نهاية هذه المحاضرة أشكر حسن استماعكم ومتابعتكم

 

 

 

 

 

أخبار مرتبطة