كيف يطفىءشراب التوت الشامي حرارة الصيف في دمشق


 

تعال بورد ياولد....العبارة السورية الشهيرة التي يستقبلك بها بائع العصير في سوريا وفي المدن القديمة تحديدا متل دمشق وحلب وتعد صورة بائع العصير على هيئته الشعبية المتواضعة وعربته الصغيرة التي يجرها امامه هي اشهر الصور الترويجية لاستقبال زوار سورية ممن يقطعون المسافات لأجل تناول كاس باردة من هذا العصير الطبيعي والمحضر يدويا وبأبسط صورة بعيدا عن تكلف المطاعم وبروتوكولات الفنادق الفخمة والتي باتت اليوم تحافظ على وجود بائع عصير امام مدخل المطعم او الفندق إضافة الى المصوراتي الذي يلتقط لك صورة مع البائع والخلفية هي مكان المنشاة وياكثرة ما يتنافس أصحاب هذه المنشآت على تسويق منشاتهم بهذه الصور المتواضعة والمعبرة التوت الشامي الشامي الأصل والمنبت قصير الموسم في بلاد الشام عموما وسورية خصوصا حيث تعتبر ثمار شجرة التوت بنوعيها الأحمر والأبيض من أوائل الثمار الصيفية الدمشقية التي ينتجها مزارعو غوطة دمشق ويسوقونها ولذلك تعرف على أنها مع المشمش أولى الثمار التي تشاهد في أسواق دمشق، حيث يبدأ موسم تسويقها في شهر مايو (أيار) وأول الثمار التي يفتقدها السوق الدمشقي أيضاً حيث ينتهي تسويقها وقطفها في أواخر شهر يونيو (حزيران) من كل عام (فهو ذو موسم قصير نسبياً).

وإذا كانت ثمار التوت الأبيض المائل للاصفرار ذات طعم لذيذ وتستخدم فقط على المائدة وتميز بأحجام كبيرة وبفوائد عديدة فإن ثمار التوت الأحمر هي الأشهر على موائد الدمشقيين وغيرهم، إذ تستخلص الأسر منها العصير ذا الطعم الشهير والمذاق اللذيذ واللون الأحمر القانئ المميز والذي يحضر بطريقة دمشقية خاصة من قبل ربات البيوت وأصحاب محلات بيع العصائر والعربات الجائلة التي يقوم أصحابها بتحضيره في منازلهم ويتجولون به في شوارع دمشق وأسواقها، حيث يلقى إقبالاً كبيراً من الناس. كما أن الدمشقيين يحولون ثمار التوت الحمراء إلى مربى لذيذة الطعم شهية المذاق يصنعونها لمؤنة الشتاء كالعصير الذي يخزنونه أيضاً لأشهر الصيف الحارة، حيث يقدمونه بارداً مع قطع الثلج، كما يصنعون من التوت الأحمر الشامي أيضاً الخشافات التي تشرب باردة مع قطع الكيك في محلات خاصة موجودة في سوق باب توما وباب الجابية وساحة عرنوس.

أما عن كيفية تصنيع وتحضير التوت الشامي فتقول (أم محمد المناديلي) إحدى الدمشقيات التي تهتم كثيراً بتحضيره وتعصر التوت سنوياً في منزلها بحي القيمرية بدمشق، حيث يحتاج تحضير عصير ثمار التوت الشامي الأحمر لخبرة ودراية وموازنة ما بين كمية الثمار والسكر والوقت (الزمن) ولذلك ليس كل ربات البيوت الدمشقيات يستطعن تحضيره.. والطريقة هنا تعتمد على نقع التوت الشامي الذي نشتريه (بالكيلو غرام) من بائعين جوالة يأتون به من قرى الغوطة في أوعية بلاستيكية ونقوم، بعد نقع الثمار، بإضافة كميات من السكر توازي تماماً كميات التوت المراد عصرها أي كل (1كلغ) من التوت يضاف له1 كلغ من السكر ويغلى على نار هادئة جداً حتى يبدأ بالغليان ثم نطفئ تحته ونتركه إلى اليوم الثاني ثم نقوم بعصره لإخراج السائل الأحمر منه ثم يوضع على شاش أبيض في إناء مخصص لهذا الغرض، ليتم فرز الشوائب وتخليصه من المخلفات ثم يعبأ في قوارير زجاجية محكمة الإغلاق لحين تناوله وأما المخلفات التي تنتج عن عصر التوت فيمكن أن تستخدم في صنع البوظة، حيث توضع في الثلاجة حتى تتجمد ويمكن أن تؤكل بالملعقة باردة، اما البائعين الجائلين يقومون بتمرير العصير بشكل دائم على أقراص كبيرة من الثلج من عادة بائعي عصير التوت أن يضيفوا له الثلج ليقدم للزبائن بارداً فهو لا يستساغ إلاّ بارداً ولكن بعضهم يتفننون في تبريده فبدلاً من إضافة قطع الثلج الصغيرة له يضعون العصير فوق الثلج بطريقة فلكلورية جميلة، حيث يقوم البائع وبشكل مستمر (بدلق) عصير التوت الموجود في وعاء كبير على قالب البوظة النظيف وأمام الناس لينقل إلى وعاء ثان على العربة، حيث يخرج بارداً.. لذيذ الطعم فيقدم للزبائن بكؤوس.. وهذه الطريقة أفضل من وضع قطع الثلج بالكأس، لأن الطريقة الثانية تفقده بعضاً من طعمه وتمده بالماء بعكس الطريقة الأولى. ويقول العم أبو حسن وهو أشهر بائع وصاحب محل عصائر في دمشق القديمة ان شراب التوت الشامي هو من اشهر العصائر التي يقدها في محله والناس تأتي من كل المدن والدول حتى تشرب من هذا العصير المغذي والمفيد والمنعش وتكاد لا تخلو مائدة رمضانية من هذا العصير ولعل عربات التوت الشامي الجوالة هي أشهر مشاهد متحركة في محيط قلعة دمشق ومداخل أسواقها العتيقة وابوابها الاثرية وعلى مداخل المدينة حيث تتجلى الصورة واضحة عند التهافت واللهفة على كاس العصير من يد صانعها المحلي تنعش القلب وتطفئ العطش في حرارة الصيف يقدمها للزوار من دموع ثمرة حمراء قانية قادمة من غوطة دمشق ذائعة الصيت.

بقلم ميسون غزلان

أخبار مرتبطة