أبواب دمشق
كواكب دمشق
من لا يعرف أن دمشق هي أقدم مدينة مأهولة في التاريخ؟ وكذلك بأنها أقدم عاصمة مازالت مستمرة حتى الآن؟
للإجابة على هذه التساؤلات، لابد لنا أن نستمر في الإضاءة على هذه المدينة وموجوداتها الخالدة! طبعاً أقول "نستمر" لأنه سبقني كثيرون في الشرح والحديث عن الشام. وسيأتي كثيرون آخرون مفتنون أيضاً مثلي بهذه المدينة ليتحدثوا ويوصفوا مدينة دمشق. أو كما نعرفها نحن باسم " الشام "!!
بالرغم مما عانته من الويلات والنكبات والأزمات منذ أربعة ألاف عام حتى يومنا هذا، فإنها تبقى دُرّة المدن ولب الحضارة الإنسانية العتيقة والمعاصرة. مائة وخمسة هكتارات من الأرض" دمشق القديمة" شهدت وستشهد تعاقب العديد من الحضارات قبل أن تغمض العينين! هذه البقعة من الجغرافيا التاريخية يلفها سور بُنيَّ بهدف صدّ الهجمات عن المدينة والدفاع عن سكانها من قبل المعتدين، بدأت مداميكه الأولى مع اليونانيين وتضخّمت حجارته مع الرومان وزاد ارتفاعه مع الأمويين وتم ترميمه من قبل الزنكيين والأيوبيين والمماليك. هذا السور البيضوي الشكل يمتد طولاً من الغرب الى الشرق مسافة 1500م ويبلغ عرضه 750م، يتخلله سبعة أبواب نُقشت فوقها رموز الكواكب السبعة ليس فقط للتزيين بل للدلالة على وعي أهل المدينة وتقدّم علومهم الفلكية والرياضية.
ثلاثة من هذه الأبواب في الجانب الشمالي وهي: باب توما الذي مازال قائماً حتى يومنا، يعلو ساكفه تصوير لكوكب الزهرة. والقديس توما هو أحد تلامذة السيد المسيح. ثم يلي باب توما وفي نفس الجهة، الى الغرب، باب السلام الذي يزينه القمر وبمسافة ليست كبيرة يقع باب العمارة أو باب الفراديس ويزينه كوكب عطارد وهذا الباب كان يفضي مباشرة على أحد فروع نهر بردى وضفافه الخضراء ومحيطه الغنّاء بالأشجار الوارفة الظلال. أعتقد أن تسمية هذا الباب ب "الفراديس" نشأت مع نشوء السور لأن كلمة فراديس هي اشتقاق من كلمة paradis اليونانية والتي تعني بالعربية الفراديس أو الجنّة. فكان من يدخل أو يخرج عبر هذا الباب لابد له المرور عبر هذه المناظر الطبيعية الخلابة والماء الرقراق لنهر بردى.
نتابع مجاراة السور باتجاه الغرب مع الانحناء جنوباً، فيستوقفنا بناء ضخم ذو حجارة بارزة وأبراج دفاعية شاهقة بفتحات ضيقة ماهي إلا "طلاّقات" للسهام وكذلك شُّرّافات حجرية بارزة صُممت لسكب الزيت المغلي على الأعداء القابعين عند أسفل السور والأبواب، إنّه بناء القلعة. قلعة دمشق التي تنفرد عن مثيلاتها في كل مكان بالعام أنها الوحيدة التي بُنيت على أرض منبسطة. نتجاوز القلعة جنوباً حتى نصل الى باب الجابية الذي يرتبط مع كوكب المريخ أو الكوكب الأحمر الذي يظهر من جهة الغرب. ويعود ويلتف ا لسور بنا من جديد نحو الشرق مروراً ب باب صغير الأبعاد نسبياً ولذلك أُطلق عليه اسم باب الصغير. هذا الباب يزين ساكفه نحت بارز يمثل كوكب المشتري. نتابع المسير شرقاً حتى نصل الى بناء متصل بالسور وبحجارة كبيرة الحجم تعود الى الفترة الرومانية، وهنا كان يقع باب كيسان الذي دُمّر خلال هجمات العباسيين لملاحقة السلالات الأموية. كان باب كيسان يرتبط ب كوكب زحل وقد أضُيف الى مدخل كنيسة القديس بولس الحالية عند دوار المطار في فترة الاحتلال الفرنسي. نتابع المسير شرقاً مسافة تزيد أو تنقص عن ال 300 متر ليلاقينا مدخل ثلاثي الأبواب وهو باب شرقي ويرمز له ب كوكب الشمس للدلالة على شروق الشمس والنور. المدخل الأوسط أكبر من المدخلين الجانبين ويبتدئ خلفه الشارع المستقيم الشهير بتاريخه وتأثيره في الانجيل والمسيحية. وهو الشارع الوحيد الذي يمتد لمسافة تزيد عن 1500 متر ومعروف أيضاً ب السوق الطويل وهو على استقامة واحدة ومن هنا أخذ اسمه. ومع هذا الباب تكتمل دائرة السور الذي يلف دمشق القديمة.
أُضيفت أبواب أخرى بعد العهود الكلاسيكية وخاصة في العهد الأيوبي وبعد الترميمات التي طرأت على السور بعدما تهدم على يد العباسيين والمغول. ومن هذه الأبواب أذكر منها مثلاً باب الفرج وباب النصر
بقلم الأستاذ عماد النداف
الشكر للفنان منصور الحناوي على تزيين العمل بلوحة من أعماله لأحد أبواب دمشق القديمة