الرصافة السورية مدينة الحب والجمال
المنتجع الصيفي للخليفة هشام بن عبدالملك
تعتبر مدينة الرصافة الواقعة شمالي شرق البادية السورية لؤلؤة البادية التي لا تزال محافظة على أوابدها التاريخية والأثرية، كما تعد من أقدم المدن السورية العريقة التي تعود إلى العهد الروماني والبيزنطي، حيث كانت تعرف باسم سيرجيوبوليس أي مدينة القديس سركيس، كما ذكرت في المدونات القديمة ومنها الآشورية وفي سفر إشعيا 12 .37 وسنحاريب وفي الكتابات اليونانية، وقد كانت موضع تنازع بين اليونان والرومان والفرس ولذلك امتلكت قلاعاً منيعة تحميها من غزوات الفرس الساسانيين قبل أن تصبح من المدن التابعة لمملكة تدمر وسط سوريا، وقبل أن تصبح منتجعا صيفيا للخليفة الأموي هشام بن عبد الملك الذي أضاف إلى عمرانها وطورها وكان له الفضل في أن تكون جنة في وسط سوريا في زمانها، حيث أسهم في عمرانها وازدهارها بتشييد قصرين اكتشف أحدهما إثر التنقيب عن آثارها فعرفت آنذاك باسم رصافة هشام .
تقع مدينة الرصافة التي تعني الحجر البراق الذي لم ينضج جيولوجيا بعد، على بعد ثلاثين كيلومترا من مدينة الرقة شمال شرق سوريا على الضفة اليسرى لنهر الفرات، وتبعد خمسة وسبعين كيلومترا عن قصر الحير الشرقي ما جعلها موضع اهتمام العرب الغساسنة الذين احتلوها لأهمية موقعها، حيث ينسب إلى الملك الحارث الثاني الفضل في ترميم أسوار المدينة، وتشييد كاتدرائية كبيرة في العصر البيزنطي، كما قام ابنه المنذر بن الحارث الثاني بتشييد خزانات المياه فيها، وببناء قصر كبير له، ودار للضيافة خارج سورها الشمالي .
وقد ارتبط اسم مدينة الرصافة ومكتشفاتها الأثرية بالعديد من السير والقصص التاريخية، ومنها أنه كان يوجد بها قديسان شهيران وهما القديس سرجيوس والقديس باخوس وهما جنديان سوريان من الرصافة دافعا عن المدينة واستشهدا في سبيل إيمانهم ودفاعهم عن المسيحية، كما نجا عند حدود الرصافة الأمير عبد الرحمن الداخل من الموت، لأنه اختبأ عند إحدى قبائل المدينة ثم انتقل إلى دمشق قبل أن يتوجه إلى الأندلس وهو في التاسعة عشرة من عمره، حيث أسس الدولة الأموية في الأندلس .
تضم مدينة الرصافة التي شيدت فوق منطقة بعض المرتفعات الكثير من المنشآت والأبنية المهمة إضافة إلى سورها الضخم وكنائسها والبازيليك والكاتدرائية والقصور وخزانات المياه الشهيرة الضخمة تحت الأرض وقناطر بمحاذاة سور المدينة . ويعد تخطيط مدينة الرصافة الغنية بالأبنية المعتمدة على الرخام الوردي المزين بالجص نموذجا للمدن الهيلينية من حيث كونها مستطيلة الشكل الأمر الذي استعمله الرومان كثيرا في مدن الإمبراطورية الواسعة وأهم صفات هذا التخطيط وجود الأسوار والشارعين المتقاطعين بشكل متعامد ليوصلا بين البوابات، إضافة إلى الشوارع الثانوية المتقاطعة بشكل شطرنجي مع مجموعة من الأقنية المائية والأبنية المختلفة، وتأخذ أسوار المدينة شكلا مستطيلا غير منتظم الأضلاع وقد بنيت هذه الأسوار على طبقتين بارتفاع 5،13 متر تتخللها الأبراج الدفاعية وعددها 54 برجا تنتهي زواياها بأبراج دائرية وقامت داخل جسم السور طريق دائرية تمكن الجنود من الانتقال بسرعة للدفاع عن النقاط الضعيفة في جهات المدينة الأربع .
ولا تزال تلك الأسوار في وضع سليم وتعد واحدة من أجمل العناصر المعمارية في المدينة، ويبلغ عرض السور ثلاثة أمتار، وطول الجدار الشمالي 5 .536 متر والجدار الشرقي 35 مترا والجدار الجنوبي 4 .549 متر والجدار الغربي 2 .411 متر، ولهذه الأسوار أربع بوابات رئيسية، ويوجد فيها واحد وخمسون برجا ذات أشكال مستطيلة أو مستديرة أو خماسية الأضلاع وتحتل الزوايا الأربع أبراج مستديرة، وتبلغ المساحة المحصورة بين هذه الأسوار واحداً وعشرين هكتارا، وتدعم الأسوار من الداخل أعمدة ضخمة بنيت بحجارة كبيرة، وقد تم اكتشاف جزء من الشارع المستقيم الذي يصل بين البوابة الشمالية والجنوبية ويبلغ طوله 135 مترا ويراوح عرضه بين 1 .2 متر و8 .2 متر ويقع على جانبيه رصيفان، وتحيط به الحوانيت التي لا تزال بقاياها قائمة على ارتفاع متر واحد .
وتعد كنيسة القديس سرجيوس أحد أهم المكتشفات الأثرية في المدينة إلى جانب قصر المنذر بن الحارث، ويعتقد أنها بنيت ما بين القرنين الخامس والسادس الميلاديين وتمتاز بتيجانها الكورنيثية المحورة وأحد هذه التيجان مزين بأكاليل منحوتة وتعتبر فريدة من نوعها، فيما يقع قصر المنذر بن الحارث خارج أسوار مدينة الرصافة إلى الشمال الشرقي من بوابة المدينة الشمالية وأبعاده 20*17مترا وكان مقرا لاجتماع القبائل ويعتقد أن رفات القديس سرجيوس دفنت فيه ونقلت في ما بعد إلى كنيسة الشهادة ثم إلى حيث تقوم كاتدرائية سرجيوس حاليا ويقال إن المنذر بن جبله الغساني دفن في هذا القصر
بقي ان نقول سورية ارض الحضارات والابجدية الاولى ومهد الاديان ستبقى برغم كل الظروف الراهنة وستشرق الشمس من جديد بدعم ابنائها وكل شرفاء العالم
بقلم ميسون غزلان