عادات و تقاليد المجتمع الجزائري
عادات و تقاليد المجتمع الجزائري
في إحياء ليلة القدر المباركة
تعد "ليلة القدر" و التي يعتقد الكثيرون أنها ليلة السابع و العشرون من شهر رمضان من أعظم الليالي في رمضان و يحرص المسلمون على الاحتفال بهذه الليلة نظرا لقدسيتها ، و لأنها ليلة خير من ألف شهر انزل فيها القرآن على سيد البشرية محمد – صلى الله عليه و سلم - فإن لها رمزية و قدسية كبيرة لدى الجزائريين الذي يستعدون لهذه الليلة المباركة أيام من قبل ، لتكريس عادات و تقاليد متوارثة جيل بعد جيل ، و تختلف عادات أهل الجزائر في إحياء هذه الليلة المباركة من منطقة لأخرى .
في هذه الليلة المباركة يتم تكريم حفظة القران الكريم في جميع مساجد الجمهورية بعد صلاة التراويح ، أين يتم توزيع جوائز قيمة على المتفوقين الأوائل و معظمهم أطفال صغار لا يتجاوزوا سن 15، بينما يلجأ الكثيرون للعبادة في المساجد و الإكثار من الذكر و حتى الاعتكاف في المساجد حتى الصباح ، يرى البعض أن ليلة القدر هي فرصة عظيمة لتقوية أواصر التضامن فيما بينهم ، لذلك تشهد أغلب المناطق، خاصة القرى انتشار عادة قديمة ما يسمى ب "الوزيعة " و هي كلمة أمازيعية و تعني "الصدقة" بالعربية ، حيث يقوم سكان القرية بجمع الأموال و التبرعات فيما بينهم و يقوموا بشراء أبقار و أغنام و يجتمعون على ذبحها و تقطيعها في ساحات عمومية ثم توزيعها على العائلات الفقيرة و المعوزة بالتساوي و لا تزال هذه العادة منتشرة حتى يومنا هذا بمنطقة القبائل شرق الجزائر العاصمة ، و رغم اختلاف و تباين العادات و التقاليد في إحياء ليلة القدر في بعض الجزئيات الصغيرة من حيث الأطباق التي تحضر لهذه المناسبة ، فعلى مستوى الجزائر العاصمة و المناطق المجاورة لها ، تعمد عائلات كثيرة على تعطير بيوتها برائحة البخور الزكية و كذلك إشعال الشموع بهدف استقبال الملائكة ، كما تحضر أطباق تقليدية معروفة كطبق الرشتة و طبق الكسكسي الشهي ، بالإضافة إلى سهرة مميزة مع الأهل و الأحباب حول صينية القهوة و الشاي و مختلف الحلويات التقليدية على رأسها البقلاوة ، التشارك و قلب اللوز ، و في الشرق الجزائري تعمل بعض العائلات على إكرام الفقراء و تقديم أشهى الأطباق للجيران ، لاسيما الفقراء و المحتاجين و ذلك بتقديم طبق من "التريدة" أو الشخشوخة و هي من أشهر الأطباق التقليدية التي تتميز بها قسنطينة ، أما في منطقة الغرب الجزائري فإنه تحضر الحريرة أو الكسكسي بالخضار سيد الأطباق الجزائرية في هذه الليلة المباركة ، وتقوم العائلات بشراء مادة القطران و رشها في جميع أرجاء البيت و ذلك في محاولة لإبعاد الشياطين و الجن عن البيت و أهله ، و أخيرا وبالجنوب الجزائري أين تكون ليلة القدر مناسبة لتزيين المساجد بقراءة القرآن و الصلاة حتى بزوغ الفجر .
و لا يمكن لهذه المناسبة الدينية أن تمر دون وضع الحناء فهي رمز الفرح و السرور وهي من الطقوس الهامة و المتوارثة منذ القدم في إحياء ليلة القدر ، حيث تقوم النسوة بوضع الحناء لأنفسهن و لأطفالهن خاصة الطفل الذي يصوم للمرة الأولى ، حيث تحرص العديد من العائلات الجزائرية على صيام أطفالهم للمرة الأولى بهذا اليوم ، و ارتبطت ليلة القدر في الجزائر ببعض الأساطير و الخرافات ، فالطفل الصغير كان يعتقد بأن ليلة القدر ترتبط بتشقق السماء الصافية و نزول ملاك أبيض إلى الأرض يدعى "قدري" هو الذي يحقق للناس الصالحين أمانيهم و أحلامهم ، و المقصود هنا ليس السحر أو الشعوذة ، و إنما كانت حيلة ذكية قديمة متداولة بين الآباء لتحبيب أطفالهم في هذه الليلة و أيضا صيامها ، و حتى وقت قريب ظل الأطفال يخرجون إلى الشوارع و ينظرون إلى السماء و ينتظرون بشغف كبير رؤية السماء و هي تفتح أبوابها لأنهم سمعوا عن أبائهم و أجداده أساطير أن أبواب السماء تفتح في هذه الليلة المباركة ، لكن مع انتشار الوعي الديني تلاشت هذه الظاهرة و أصبح الكل يعرف ما معنى ليلة القدر وأنه يتم أحيائها فقط بالعبادة و الدعاء و التضرع إلى الله بقيام الليل حتى طلوع الفجر .
و من مظاهر الجميلة في إحياء ليلة القدر ، نجد أن العديد من العائلات تقوم بختان أطفالها في أجواء من الفرح و السرور وسط الأهل و الأقارب ، فيرتدي الأطفال أجمل الألبسة التقليدية و في هذه المناسبة تحضر أشهى الأطباق الحلويات التقليدية الخاصة بكل منطقة ، كما تستغل العديد من الجمعيات الخيرية فرصة ليلة القدر لتنظيم حفلات ختان جماعية لأطفال العائلات المعوزة ، من أجل إدخال الفرح و السرور إلى حياتهم .
جميلة خياري