البوقالات عادات من التراث القديم تزين السهرات الرمضانية... في الجزائر العاصمة
تختلف عادات و تقاليد المجتمع الجزائري في شهر رمضان الكريم من منطقة لأخرى ، فكل منطقة لها خصوصيتها التي تميزها عن باقي المناطق ، و الجزائر العاصمة تحظى بالعديد من العادات و التقاليد الجميلة النابعة من التراث الجزائري العريق الذي تمتد جذوره لعقود من الزمن ، و بالرغم من اندثار البعض منها ، إلا أن أغلبية العائلات مازالت تحرص على إحياء هذه العادات و التقاليد المتوارثة ، لعل أبرزها "لعبة البوقالة" وهي اللعبة الأكثر شعبية بين النسوة التي تنتشر بالجزائر العاصمة و ضواحيها كالبليدة ، شرشال ، تيبازة ، و بومرداس ، هذا التقليد الجزائري الذي تمارسه المرأة منذ القدم و تزداد شعبيتها مع حلول شهر رمضان الكريم لتتزين به السهرات الرمضانية .
"البوقالة" هي لعبة نسائية خاصة تعتمد على الحكمة و الأمثال الشعبية التي تقوم النساء بحفظها و المحافظة على نقلها للجيل الجديد من الفتيات ، تتمثل في التغزل بالحبيب أو الزوج أو التفاؤل بمستقبل جميل ، و "البوقالة" اسم مشتق من الكلمة الامازيغية " بوقال" و هو عبارة عن إناء مصنوع من الفخار يستعمل لشرب الماء أو الحليب .
أما عن الأصل التاريخي لظهور هذه اللعبة في الجزائر ، فهناك تباين في الروايات ، و حسب بعض المؤرخين فإن هذه اللعبة ارتبط ظهورها بالبحارة الجزائريين الذين كانوا يسافرون للعمل لشهور بعيدا عن أهلهم و زوجاتهم ، و قد لجأت النساء المحبات و المتعلقات بأزواجهم إلى اكتشاف هذه اللعبة حتى تسليهم في وحدهم و تخفف عنهم صعوبة الفراق الطويل ، و هناك رواية أخرى تقول أنها تقليد قديم نشأ أول مرة بمدينة شرشال التي تبعد 90 كلم غرب الجزائر العاصمة في العهد الفنيقي .
رغم اختلاف الآراء و تباينها حول أصل هذا الإرث الشعبي العريق الذي تنفرد به الجزائر العاصمة ، تبقى هذه اللعبة المسلية سيدة السهرات الرمضانية التي لا يمكن الاستغناء عنها ، و عادة ما تقام هذه السهرات في بيوت إحدى النسوة ، إما فوق أسطح القصبة العتيقة أو وسط دويراتها و منازلها الجميلة ذات الطراز المعماري الفريد من نوعه ، حيث تجتمع النساء و الفتيات حول صينية الشاي و القهوة المزينة بأحلى أطباق الحلويات التقليدية كالزلابية ، قلب اللوز، البقلاوة و المقروط ، و تقوم بإحضار إناء فخاري يسمى "البوقال" و تصب فيه قليل من الماء المعطر ، ثم تطلب من الفتيات الحاضرات نزع خواتمهن ووضعها داخل الإناء بعدها يغطى بمنديل من القماش ، ثم تقوم المرأة الكبيرة في السن بقول الفأل التالي : " بسم الله أبديت و على النبي صليت يا رب أعطينا الفال ولاقينا بأولاد الحلال" و هو يشبه إلى حد كبير الدعاء ، ثم تشرع النساء الحاضرات بقراءة البوقالات المختلفة المعاني فمنها من تحتوي على صفات مميزة لفارس الأحلام وعبارات عن الحب و الزواج، الفراق وعن المستقبل الزاهر ، و بعد ما تنتهي من قراءة الفال تدخل إحدى الفتيات الحاضرات يدها في البوقال فتخرج الخاتم ، و الفتاة التي يخرج خاتمها يعني أنه فال حسن و أن هناك بشرة سارة في طريقها إليها و هكذا دواليك حتى تنتهي اللعبة ، و في آخر الليل تتقاسم الصبايا الماء الموجود في البوقال و تصعدن إلى أسطح المنازل و ترمي هذا الماء و يحاولن سماع الفأل بعد ذلك ، فمنهن من تسمع صوت العصافير فتتفاءل بالسعادة في طريقها إليها، و من تسمع صوت صياح الديك فتتفاءل بفجر جديد قادم تنتهي معه معاناتها ، و من تسمع صوت سفارة الباخرة تبشر بقدوم زوجها أو أي شخص عزيز عليها من السفر ، و من أبجديات هذه اللعبة أيضا وضع النية في القلب سواء بالتفكير في بشخص إما زوج ، أو أخ أو ابن ، ثم يقرأ الموشح الشعبي الموجه لها و ترى إن كان يتناسب مع الشخص الذي عقدت النية لأجله ، و من أساسيات اللعبة أيضا أن تعقد عقدة و هي أن تمسك بطرف خمارها أو المحرمة التي تضعها فوق رأسها أو أي جزء من ملابسها و تعقد على حوافها عقدة صغيرة لا تفتحها إلا بعد سماع البوقالة الخاصة بها .
ثئ بعض البوقالات الشهيرة في الجزائر
"السفينة الي جات باش نلاقيها باللوز و السكر نرش سواريها و الورد و الياسمين نهديه للركاب فيها و بالمسك و العنبر نعطر أماليها " .
"غرست ياسمينة وسط الدار عروقها سكنجبير و أطرافها نوار يما يا يما محلى عشق الجار العين تخز في العين و القلب شاعلة فيه نار" .
" يا لالا يا لالا يا مولاة القلب القاسي حني على حبيبك يا لي طيرتي مني نعاسي ملي شفتك راني نتعذب عليك نعادي ماليا و قاع أحبابي و ناسي" .
جميلة خياري