متحف حلب القديم في صورة
حكاية متحف حلب القديم مع قصر الناعورة ترويها لكم صورة نادرة ملتقطة لمتحف حلب القديم الذي كان يعرف باسم (قصر الناعورة).
ويظهر في المقدمة (جسر الناعورة) بعدما تم إعادة بنائه باستخدام مادة «الاسمنت المسلح» وتعريضه ليبلغ ثمانية عشر متراً في العام 1924، وذلك «بدل الجسر القديم الذي كان لضيقه يطغى نهر قريق في بعض السنين فيغرق ما جاوره من البساتين والمنازل» وفقاً لما أورده مؤرخ حلب الشيخ كامل الغزي في الجزء الثالث من كتابه المرجعي «نهر الذهب في تاريخ حلب» (قارن مع الغزي، نهر الذهب، طـ دار القلم، ج3، ص 600).
وأما النصب التذكاري المبني بالحجارة المقام أمام المبنى بشكل مسلة فهو إحياء لذكرى الجنرال غاستون بيوت الذي شغل منصب مندوب المفوض السامي والقائد العسكري الفرنسي لدى دولة حلب بين عامي 1922-1924، وكان من خيرة رجالات الانتداب الفرنسي الذي عملوا في سوريا.
ومما هو جدير بالذكر أن (قصر الناعورة) أو (متحف حلب القديم) قد تم تشييده في أواخر العام 1924 في عهد مرعي باشا الملاح حاكم دولة حلب العام آنذاك. ولقد أتى على ذكره الغزي في الجزء الثالث من «نهر الذهب» ضمن «جدول في بيان الأعمال العمرانية التي تجددت في حلب وأعمالها، بعد أن دخلت إليها الحكومة الفرنسية المنتدبة على سوريا».
يصف الغزي (قصر الناعورة) بقوله: «بناية في فسحة الناعورة، خارج باب الفرج، فخمة ضخمة معدّة لاجتماع المجلس النيابي، تشتمل على اثنتي عشرة غرفة عليا وسفلى، وعلى بهو طوله عشرون مترا وعرضه اثنا عشر مترا، مفروشة أرضه بالرخام الإيطالي، قد رفع تجاه هذه البناية من غربيها نصب تذكاري على نسق المسلّات الحجرية ذكرى للجنرال بيوت» (قارن مع الغزي، نهر الذهب، طـ دار القلم، ج3، ص 600-601).
ولقد تم تدشين هذا المبنى يوم الأحد 16 تشرين الثاني من العام 1924، وذلك وفقاُ لما هو مدرج في برنامج تدشين المشروعات العامة الذي وضعته مصلحة الأشغال العامة (النافعة) في حلب المنشور في صحيفة «الترقي السوري»، الحلبية لصاحبها الدكتور بهاء الدين الكاتب السبت 15 تشرين الثاني 1924 (ع 101).
وقد روعي في تصميم هذا البناء الممازجة بين طراز العمارة الأوروبية من حيث الكتلة العامة وتأثيرات الريازة العربية الإسلامية المتمثلة بالزخارف والأقواس والأعمدة والفتحات التي احتوت عليها واجهاتها. وما لبث أن اتخذ هذا القصر فور تدشينه مقراً لاجتماعات المجلس التمثيلي الذي كان بمثابة مجلس نيابي لدولة حلب.
وقد التقطت هذه الصورة في العام 1926 حينما اتخذه الجنرال بيوت مقراً لإقامته، وذلك بعدما أعيد إلى حلب في نيسان من العام 1926 معيناً المندوب فوق العادة والقائد العام للمنطقة الشمالية لمدة قصيرة بهدف معالجة تداعيات الأزمة السياسية التي شهدتها حلب على أثر مقاطعة الانتخابات التي دعا إليها المفوض السامي دو جوفينيل، واعتقال الزعماء الوطنيين الداعين للمقاطعة، ووقوع مصادمات دامية مع القوات الفرنسية أسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى، واستقالة مرعي باشا الملاح من الولاية احتجاجاً على قمع الفرنسيين التظاهرات الوطنية فيها، وبقاء حلب بدون والٍ محلي معين بالأصالة، وإخفاق المسيو ريكلو معاون مندوب المفوض السامي بحلب في إدارة تلك الأزمة. (قارن مع: «الجنرال بيوت»، حلب، الجريدة الرسمية، س8، ع432، 19 نيسان/ أبريل 1926).
اتخذ القصر لاحقاً مقراً لمتحف حلب. ومما يؤسف له أنه أُزيل في العام 1959 ليقام في مكانه متحف حلب الوطني الحالي الذي يمكن وصفه بالقبيح إذ ينتمي إلى أسلوب عمارة "اللا طراز" الذي شاع في بلادنا منذ الخمسينيات من القرن المنصرم.
يتقدم الباحث بالشكر إلى السيدة الفاضلة (مي غزالة سكياس) على سماحها بنشر هذه الصورة التي هي من مجموعتها الخاصة
ميسون غزلان